الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير العلام شرح عمدة الأحكام
.باب الأضاحي: الأضاحي جمع أضْحِيَة، بضم الهمزة، وسكون الضاد، وكسر الحاء، بعدها ياء، ثم تاء.ْ مشتقة من اسم الوقت الذي شرع ذبحها فيه.وهى- شرعا-: ما يذبح في أيام النحر بسبب العيد، تقربا إلى الله تعالى. والأصل في مشروعيتها، الكتاب، والسنة، والإجماع. أما الكتاب، فقوله تعالى: {فَصَلِّ لِربِّكَ وَانحَرْ} قال بعض المفسرين: المراد به الأضحية بعد صلاة العيد, وأما السنة، فما روى أنس، وسيأتي الحديث والكلام عليه إن شاء الله تعالى. وأجمع المسلمون على مشروعية الأضحية. حكمة مشروعيتها: في الأضحية، التقرب إلى الله تعالى بإراقة الدماء، لأنها من أفضل الطاعات وأجمل العبادات. وقد قرنها الله تعالى مع الصلاة في آيات من القرآن الكريم. منها قوله تعالى: {إن صلاتي ونسكي ومحياي وَمَمَاتي لله رَبِّ العَالميَن} وقوله سبحانه: {فصل لِرَبكَ وَانحَرْ} والأضحية التي تقع في ذلك اليوم العظيم، يوم النحر الأكبر، فيها الصدقة على الفقراء والتوسعة عليهم. وفيها القيام بشكر الله تعالى على توالى نعمه بسلامة العمر والعقل والدين، واقتداء بأبي الأنبياء إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين قدَّم ولده قربانا لله تعالى، طاعةً ورضا بأمر الله، ففداه الله تعالى بكبش، فكانت سنة من بقبة أبينا إبراهيم، جددها نبينا محمد لصلى الله عليه وسلم. وفيها الفرح والسرور والتوسعة على النفس، والأهل، في هذا العيد الإسلامي الكبير. وفيها حِكَمٌ وأسرار لله تعالى، تدرك منها الأفهام والعقول بقدر طاقتها. والأصل في الأضحية أنها للأحياء. ويجوز أن تجعل صدقة عن الموتى، وفيها ثواب وأجر لهم. لكن يوجد في بعض البلاد، أنهم لا يكادون يجعلونها إلا للموتى فقط. فكأنهم يظنون أن الأضحية خاصة للموتى، ولذا فإن الحي منهم يندر أن يضحي عن نفسه. فإذا كتب وصية، أول ما يجعل فيها أضحية أو ضحايا، على حسب يُسْره وعسره. ويندر أن يوصى الموصى بغير الأضحية وتقسيم الطعام في ليالي الجمع من رمضان. أما غيرها من أنواع البر فقليل. وهذا راجع إلى تقصير أهل العلم الذين يكتبون وصاياهم، لا يذكرونهم، ولا يعلمونهم أن الوصية ينبغي أن تكون في الأنفع من البر والإحسان. والأضحية وإن كانت فضيلة وبرًا وإحساناً، إلا أنه يوجد بعض جهات من البر ربما تكون أحسن منها. والله ولى التوفيق. الحديث الثامن والثمانون بعد الثلاثمائة: عَنْ أنس بْنِ مَاِلكٍ رَضي الله عَنْهُ قَالَ: ضحَّى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين امْلَحَيْن أقْرَنينِ، ذَبحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكبَّر وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلى صِفَاحِهِمَا. الغريب: كبشين: الكبش هو الثَنيُّ إذا خرجت رباعيته، وحينئذ يكون عمره سنتين، ودخل في الثالثة. أملحين: الأملح من الكباش، هو الأغبر الذي فيه بياض وسواد، وبياضه أكثر من سواده. صفاحهما: بكسر الصاد والحاء المهملتين. قال في (النهاية)صفحة كل شيء وجهه وجانبه، والمراد هنا صفاح أعناقهما. المعنى الإجمالي: من تأكد الأضحية أن النبي صلى الله عليه وسلم مع حثه عليها فعلها هو، صلى الله عليه وسلم فقد ضحى بكبشين، في لونهما بياض وسواد ولكل منهما قرنان. فذبحها بيده الشريفة لأنها عبادة جليلة قام بها بنفسه، وذكر اسم الله تعالى عندها استعانة بالله لتحل بها البركة ويشيعها الخير، وكبر الله تعالى لتعظيمه وإجلاله، وإفراده بالعبادة، وإظهار الضعف والخضوع بين يديه تبارك وتعالى. بما أن إحسان الذبحة مطلوب- رحمة بالذبيحة، بسرعة إزهاق روحها- وضع رجله الكريمة على صفاحهما، لئلا يضطربا عند الذبح، فتطول مدة ذبحهما، فيكون تعذيباً لهما، والله رحيم بخلقه. ما يستفاد من الحديث: 1- مشروعية التضحية وقد أجمع عليها المسلمون. قال شيخ الإسلام: والأضحية أفضل من الصدقة بثمنها، فإذا كان له مال يريد التقرب به إلى اللّه كان له أن يضحي. 2- أن الأفضل أن تكون الأضحية من هذا النوع الذي ضحى به النبي صلى الله عليه فلعله قصد هذا الوصف لمعنى فيه والله أعلم. 3- أن الأفضل لمن يحسن الذبح، أن يتولاه بنفسه، لأن ذبح ما قصد به القرب عبادة جليلة. 4- أن يقول عند الذبح: باسم الله والله أكبر ومناسبتها هنا ظاهرة. 5- أن يضع رجله على صفحة المذبوح لئلا يضطرب، وليتمكن من إرهاق روحه بسرعة فيريحه. 6- أن الأفضل في ذبح الغنم، إضجاعها، ويكون على الجانب الأيسر لأنه أسهل. فوائد من كلام شيخ الإسلام ابن تنمية: الأولى: تجوز الأضحية عن الميت كما يجوز الحج عنه والصدقة عنه. الثانية: يتصدق بثلث الأضحية، ويهدي ثلثها، وإن أكل أكثرها أو أهداه أو طبخه ودعا الناس إليه جاز. الثالثة: إن ضحى بشاة واحدة عنه وعن أهل بيته أجزأ ذلك في أظهر قولي العلماء، وهو مذهب مالك وأحمد، فإن الصحابة كانوا يفعلون ذلك. .كتاب الأشربة: الحديث الأول:عَنْ عَبْدِ اللّه بْنِ عُمَرَ رضي اللّه عَنْهُمَا: أنَّ عُمَرَ قَالَ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: أمَّا بَعْدُ أيُهَا النَّاسُ، إنَّهُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، وَهِيَ مِنْ خَمْسَةٍ، 1- مِنَ الْعِنَبِ، 2- وَالتَمْرِ، 3- وَالْعَسَلِ، 4- وَالْحِنْطَةِ، 5- وَالشَعِيرِ- وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ. ثلاث وَدِدْتُ أنَّ رَسُولَ اللّه صلى الله عليه وسلم كَانَ عَهِدَ إلَيْنَا فِيهِنَّ عهدا نَنْتَهِي إلَيْهِ: 1- الْجَدُّ، 2- والكلالةُ. 3_ وأبواب مِنْ أبوَابِ الرِّبَا. ما يستفاد من الحديث: تقدم الكلام عن الخمر، وتعريفه، واختلاف العلماء في حده. وتقدمت الإشارة- أيضاً- إلى هذا الأثر عن عمر رضي الله عنه. وأن الصحيح: أن الخمر كل ما خامر العقل من أي شراب، وأن ما أسكر كثيره، فقليله حرام، وفيه فوائد زائدة نجملها فيما يأتي: 1- أن الخمر التي أنزل تحريمها وفهمها الصحابة عند النزول، هي كل ما خامر العقل، وأنه يوجد منها في ذلك الوقت أنواع من العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير. وكلها من مسمى الخمر، وما حدث بعدها فهو خمر، وإن تعددت أسماؤه. 2- أن العالم مهما بلغ من العلم، فإنه لا يحيط به، ويخفى عليه أشياء. وليس في الصحابة أعلم من عمر بعد أبي بكر، ومع هذا أشكلت عليه هذه المسائل الثلاث وتمنى أنه استوثق في علمه بهن من النبي صلى الله عليه وسلم. وليس معنى هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبينهن، فقد أتم الرسالة، وأدى الأمانة، وبلغ عن الله ما هو أخفى وأقل شأنا منهن. ولكن ليس أحد يحيط بجميع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم. 3- المسألة الأولى توريث الجد مع الإخوة الأشقاء أو لأب. فزيد بن ثابت، وجمهور العلماء، ومنهم الأئمة الثلاثة، مالك، والشافعي، وأحمد في المشهور عنه، يشركونه مع الإخوة بتفصيل مذكور في بابه. وأبو بكر الصديق، وتبعه أبو حنيفة، ورواية عن الإمام أحمد، واختيار شيخ الإسلام وأتباعه يسقطون الإخوة به ويجعلونه بمنزلة الأب. 4- الثانية الكلالة ومعناها، الذي يموت، وليس له ولد ولا والد، وهذا هو نص الآية التي في آخر سورةْ النساء في انتفاء الولد. ويظهر منها عند التأمل، انتفاء الوالد، لأن الأخت لا يفرض لها النصف مع الوالد قال تعالى في الآية: {إنِ امرؤ هَلَكَ لَيسَ لَهُ وَلَدٌ ولَهُ أخْتٌ فلَهَا نِصْفُ ما ترك}. وهذا التفسير للكلالة، وهو تفسير أبي بكر الصديق، وعليه جمهور الصحابة والتابعين والأئمة، في قديم الزمن وحديثه، والفقهاء السبعة، والأئمة الأربعة رضي الله عن الجميع. 5- الثالثة أبواب من الربا، ولعل هذا من المسائل التي اختلف العلماء فيها. فحرمها بعضهم، لاعتقاده أنها من الربا، وأحلها بعضهم، لاعتقاده أنها ليست منه. وبالجملة فالنبي صلى الله عليه وسلم توفي وقد تركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها. ولكن أفهام العلماء تختلف، ويبلغ بعضهم من السنة مالا يبلغ الآخر. فمن هنا وأشباهه من الأعذار، ينشأ الخلاف بينهم، وكل منهم ذو مقصد حسن. رحمهم اللّه تعالى أجمعين. الحديث الثاني: عَنْ عَائِشَةَ رَضي الله عَنْهَا: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَن البِتْعِ فقَالَ: «كُلُّ شَرَابٍ أسكر فَهُوَ حرام». قَالَ رضي الله عَنْهُ: البتعُ: نَبِيذُ العَسَلِ. المعنى الإجمالي: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شرب البتع الذي هو نبيذ العسل، فأتى صلى الله عليه وسلم بجوانب عام شامل. مفاده أنه لا عبرة باختلاف الأسماء، ما دام المعنى واحداً، والحقيقة واحدة. فكل شراب أسكر، فهو خمر محرَّم، من أي نوع أخذ. وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، وحسن بيانه عن ربه. وبهذا جاء من العلم في مدة بعثته بما يسعد البشرية في الدنيا والآخرة. الحديث الحادي والتسعون بعد الثلاثمائة: عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَبَّاس رَضيَ اللّه عَنْهُما قَال: بَلَغَ عُمَرَ أنَّ فُلاناً بَاعَ خَمْراً، فَقَالَ: قاتَلَ الله فلاناً، ألَمْ يَعْلَمْ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «قَاتَلَ الله الْيَهُودَ، حُرمت عَلَيْهِمُ الشحموم فَجَمِلُوهَا فَبَاعُوهَا». المعنى الإجمالي: بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن رجلا أراد التحيُّل على الانتفاع بالخمر من غير شربها فباعها. وهذه حيلة مكشوفة محرمة، ولذا فإن عمر رضي الله عنه دعا عليه دعاء كدعاء النبي صلى الله عليه وسلم على اليهود المتحيلين فقال: قاتله الله، ألم يعلم أن التحيل حرام؟ لأنه مخادعة اللَه ورسوله، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «قاتل الله اليهود، لما حرم الله عليهم الشحوم، عمدوا إلى الانتفاع بها بالحيلة، إذ غَيَّروا الشحم عن صفته، فأذابوه، ثم باعوه، فأكلوا ثمنه وقالوا- تحيلا وخداعا-:لم نأكل الشحم المحرم علينا» وهم يخادعون الله وهو خادعهم. ما يستفاد من الحديث: 1- تحريم المعاملة بالخمر، ببيع، أو شراء، أو عمل، أو إعانة، بأي نوع كان. 2- تحريم الحيل، فإن الله تعالى لما حرم الخمر، حرم ثمنه الذي هو وسيلة إليه. 3- من باعه فقد شابه اليهود الذين- لما حرمت عليم الشحوم- أذابوها وباعوها، وكلوا ثمنها، حيلةً ومخادعة. 4- أن كل محرم ثمنه حرام، لأنه لا يباح التوصل إليه بأي طريق. فالوسائل، لها، أحكام المقاصد، وهي قاعدة نافعة. .كتاب اللبَاس: الحديث الأول:عَنْ عُمَرَ بْنِ الخطابِ رَضيَ الله عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم: «لا تَلْبَسُوا الحريرَ، فَإنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ في الدُّنيا لَم يلبسه فِي الآخِرَةِ». الحديث الثاني: عَنْ حُذَيفَةَ بنِ اليَمَانِ رَضي اللّه عَنْهُ قَالَ: سمعتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لا تَلْبَسُوا الحَرير، وَلا الديباج، وَلا تَشربُوا في آنيَة الذَّهَب وَالفِضةِ، وَلا تَأكلُوا فِي صِحَافِهِمَا، فَإنهَا لهم في الدنيا ولكم في الآخرة». المعنى الإجمالي: نهى النبي صلى الله عليه وسلم الرجال عن لُبس الحرير والديباج، لما في لبسهما- للذكَر- من الميوعة والتأنث، والتشبه بالنساء الناعمات المترفات. والرجل يطلب منه الخشونة، والقوة، والفتوة. كما نهى كُلا من الرجال والنساء عن الأكل والشرب في صِحَاف الذهب والفضة وآنيتهما، لما في ذلك من السرف، والفخر، والخيلاء، وكسر قلوب الفقراء الذين لا يجدون رخيص النقد لقضاء الضروري من حاجاتهم، ولما فيه من تضييق النقدين على المتعاملين. وكما قال صلى الله عليه وسلم: إن الأكل فيهما في الدنيا للكفار الذين تعجلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا. واستمتعوا بها. وهي لكم- أيها المسلمون خالصة- يوم القيامة إذا اجتنبتموها خوفاً من الله تعالى وطمعا فيما عنده. كما أن من لبس الحرير من الرجال في الدنيا، فقد تعجل متعته، ولذا فإنه لن يلبسه في الآخرة. (ومن تعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه) والله شديد العقاب. ما يستفاد من الحديثين: 1- تحريم لبس الحرير والديباج على الذكور، والوعيد الشديد على من لبسه. 2- يباح للنساء لبسُه، لكونهن في حاجة إلى الزينة للأزواج. وحِله للنساء، وتحريمه على الرجال، بإجماع العلماء. 3- تحريم الأكل والشرب في صحاف الذهب والفضة وآنيتهما، للذكور والإناث، لكونهما للكفار في الدنيا، وللمسلمين في الآخرة، ولما ذكرنا من العلل في الشرح. 4- الحق العلماء بالأكل والشرب سائر الاستعمالات، وجعلوا ذكر الأكل والشرب في باب التعبير بالغالب، كقوله تعالى: {إن الذِين يَأكُلُون أمْوَالَ اليَتَامَى ظُلماً إنما يأكُلُونَ في بُطُونِهِمْ نَارا} وهو عام لجميع الاستعمالات والاستيلاء. 5- يجرى في هذا الوعيد ما تقدم من كلام شيخ الإسلام (ابن تيميه) من أن الأشياء لا تتم إلا باجتماع شروطها وانتفاء موانعها، وإلا فإن ظاهر الحديث الخلود في النار للابس الحرير. الحديث الثالث: عَنْ عُمَرَ بن الْخَطاب رَضيَ الله عَنْهُ: أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ لُبس الحَرِيرِ إلا هَكَذَا. (وَرَفَعَ لَنَا رَسُولُ اللَه صلى الله عليه وسلم إصْبَعَيْهِ السبابةَ وَالوسطَى). ولـ (مسلم): نَهَى رَسُولُ اللّه صلى الله عليه وسلم عَنْ لُبس الْحَرِير، إلا مَوضِعَ إصبعَينِ أو ثَلاثٍ أو أربع. ما يستفاد من الحديث: 1- فيه تحريم لبس الحرير، على الرجال دون النساء. 2- فيه استثناء قدر الإصبعين أو الثلاث أو الأربع، إذا كان تابعا لغيره. أما المنفرد، فلا يحل منه، قليله ولا كثيره كخيط مسبحة، أو ساعة أو نحو ذلك. الحديث الرابع: عَن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضي الله عَنْهُ قَالَ: مَا رَأيْتُ مِنِ ذِي لِمَّةِ في حُلَّةٍ حَمْرَاءَ أحَسَنَ مِنْ رَسُولِ اللّه صلى الله عليه وسلم، له شَعَرٌ يَضْرِبُ إلَى مَنْكِبَيْهِ، بَعِيدُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، لَيْسَ بِالْقَصِيِرِ وَلا بِالطَّوِيلِ. الغريب: اللمة: بكسر اللام قال في الصحاح: اللمة- بالكسر- الشعر يتجاوز شحمة الأذن، فإذا بلغ المنكبين فهو (جُمة) سميت (لمة) لأنها ألمت بالمنكبين. ما يستفاد من الحديثين: 1- فيه جواز لبس الأحمر، وقد ورد النهي عنه، فحمله العلماء على محامل. أحسنها ما قاله (شمس الدين بن القيم): إن المراد بالأحمر الذي لبسه النبي صلى الله عليه وسلم، الحبرة. وهو الذي فيه أعلام حمر، وأعلام بيض، وليس المراد الأحمر الخالص الذي نهى عنه. 2- وفيه دليل على حسن توفير الرأس حتى يبلغ المنكبين أو فوقهما أو تحتهما قليلا، ففيه جمال واقتداء، وليس منه ما يفعله بعض الشباب اليوم برؤوسهم بقص بعضه وترك البعض الآخر، تلك المثلة التي يسمونها (التواليت) فهذه بدعة مستقبحة ومثله مستبشعة، وهو القزع المكروه. ولكنه عمل الفرنج والمتفرنجة، وكفى بهم قدوة عندهم عن النبي صلى الله عليه وسلم في خَلْقِه وخُلُقِه، فإنا لله وإنا إليه راجعون. 3- في الحديث بيان خلْقِ النبي صلى الله عليه وسلم الظاهر من حسن الشعر ورحابة الصدر، وحسن القامة. وحسن الْخَلْقِ عنوان حسن الْخلُق، وقد كمله اللّه تعالى بهما، صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً. الحديث الخامس: عَن البَرَاءِ بن عَازِبٍ رَضي الله عنهُ قَالَ: أمَرَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِسَبْع، ونَهَانَا عَنْ سَبْع: 1- أمَرَنَا بعِيَادَةِ المَرِيض، 2- واتباعِ الْجَنَازَةِ، 3- وَتَشمِيتِ العَاطِس، 4- وَإبرارِالقسم (أوالمُقسم)، 5- وَنَصْرِ المَظْلُوم، 6- وَإجَابَةِ الداعِي، 7- وَإفشَاءِ السلام. وَنَهَانا: 1- عَنْ خَوَاتِمِ (أوْ عَنْ التَّخَتَّم) بِالذهَب، 2- وَعَنْ الشربِ بِالفِضةِ، 3- وَعَن المَيَاِثرِ، 4- وَعَن القسِّيِّ، 5- وَعَنْ لبس الحَرِيرِ، 6- والإستبرق، 7- والدِّيباج. الغريب: تشميت العاطس: بالشين المعجمة. قال ابن فارس في (مقاييس اللغة) (الشين والميم والتاء) أصل صحيح، ويشذ عنه بعض ما فيه إشكال وغموض. فالأصل فرح عدو ببلية تصيب من يعاديه. والذي فيه إشكال وغموض، تسميتهم تشميت العاطس، وهو ما يقال عند عطاسه (يرحمك اللَه) تشميتا. قال الخليل: تشميت العاطس، دعاء له. وكل داع لأحد بخير فهو مشمت له. هذا أكثر ما بلغنا في هذه الكلمة، وهو- عندي- من الشيء الذي خفي علمه. ولعله كان يعلم قديماً، ثم ذهب بذهاب أهله. اهـ. كلام ابن فارس. وقال ثعلب: (معناه- بالمعجمة- أبعد الله عنك الشماتة). المياثر: بفتح الميم بعدها ياء، ثم ثاء مثلثة، جمع (مثيرة) بكسر الميم، مأخوذ من الوثار، قلبت الواو- لسكونها وانكسار ما قبلها- ياء. وهي مراكب تتخذ من الحرير والديباج. وسميت (مياثر) لوثارتها ولينها. القَسى: بفتح القاف وكسر السين المهملة المشددة، ثياب خز، تنسب إلى (القس) قرية في مصر. وبعض المحدثين، يكسر القاف، ويخفف السين. قال الخطابي: وهو غلط لأنه جمع قوس، وإنما هي ثياب مضلعة، يؤتى بها من مصر والشام. الإستبرق: بكسر الهمزة: ما غلظ من الديباج، كلمة فارسية نقلت إلى العربية. المعنى الإجمالي: بعث النبي صلى الله عليه وسلم ليتم مكارم الأخلاق، ولذا فإنه يحث على كل خلق وعمل كريمين، وينهى عن كل قبيح. ومنْ ذلك ما في هذا الحديث من الأشياء التي أمر بها وهي، عيادة المريض التي فيها قيام بحق المسلم، وترويح عنه، ودعاء له. واتباع الجنازة، لما في ذلك من الأجر للتابع والدعاء للمتبوع، والسلام على أهل المقابر، والعظة والاعتبار. وتشميت العاطس، إذا حمد الله فيقال له: يرحمك الله. وإبرار قسم المقسم، إذا دعاك لشيء وليس عليك ضرر، فتبر قسمه، لئلا تحوجه إلى التكفير عن يمينه، ولتجيب دعوته، وتجبر خاطره، وتتم دالته عليك. ونصر المظلوم من ظالمه، لما فيه من رد الظلم، ودفع المعتدى، وكفه عن الشر، والنهي عن المنكر. وإجابة من دعاك لأن في ذلك تقريبا بين القلوب، وتصفية النفوس، وفي الامتناع، الوحشة، والتنافر. فإن كانت الدعوة لزواج، فالإجابة واجبة، وإن كانت لغيره، فمستحبة. وإفشاء السلام، وهو إعلانه وإظهاره لكل أحد، وهو أداء للسنة، ودعاء للمسلمين من بعضهم لبعض، وسبب لجلب المودة. فقد جاء في الحديث: «ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام ببينكم». أما الأشياء التي نهى عنها في هذا الحديث، فالتختم بخواتم الذهب للرجال، لما فيه من التأنث والميوعة، وانتفاء الرجولة التي سيماها الخشونة. وعن الشرب بآنية الفضة، لما فيه من السرف والبطر، وإذا منع الشرب مع الحاجة إليه فسائر الاستعمالات أولى بالمنع والتحريم. وعن المياثر، والقسي، والحرير، والديباج، والإستبرق، وأنواع الحرير على الرجال. فإنها تدعو إلى اللين والترف اللذين هما سبب العطالة والدعة. والرجل يطلب منه النشاط والصلابة والفتوة، ليكون دائماً مستعداً للقيام بواجب الدفاع عن دينه وحرمه ووطنه. ما يستفاد من الحديث: 1- استحباب عيادة المريض وتجب إذا كان يجب بره. كالوالدين، أو كان يترتب على تركه مفسدة. 2- استحباب اتباع الجنائز للصلاة عليها ودفنها، وهو فرض كفاية: يسقط مع قيام من يكفى، وإلا أثم من علم بحاله وقدر عليه فتركه. ومن تبعها حتى يصلى عليها فله قيراط من الأجر، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان. تشميت العاطس إذا حمد الله بقوله: (ورحمك الله) وهو واجب إلى نهاية ثلاث مرات، وبعدهن يدعو له بالشفاء. 4- إبرار قسم المقسم، وهو من مستحب، لما فيه من جبر القلب وإجابة طلبه في غير إثم. 5- وفيه وجوب نصر المظلوم بقدر استطاعته، لأنه من النهي عن المنكر. وفيه رد للشر، وإعانة المظلوم، وكف الظالم. 6- إجابة الدعوة. فإن كانت لعرس وجبت الإجابة إن لم يكن ثَمَّ منكر لا يقدر على إزالته وإن كانت لغيره من الدعوات المباحة استحبت. وتتأكد بما يترتب عليها من إزالة ضغينة، أو دفع شر. 7- إفشاء السلام بين المسلمين، لأنه دعاء بالسلامة، وعنوان على المحبة والإخاء. 8- النهي عن تختم الرجال بخواتم الذهب، فهو محرم. وقد ابتلى به كثير من الشباب المائع. 9- النهي عن الشرب بآنية الفضة، وأعظم منه الذهب، وألحق به سائر الاستعمالات، إلا للسلاح. 10- النهي عن لبس القسي والحرير، والإستبرق، والديباج للرجال. ومثله جعل المياثر للجلوس، وكذلك جعلها ستورا للأبواب أو الحيطان ونحو ذلك. فهو محرم. وكذا ما فيه صور الحيوانات والصلاة باطلة بلبس الحرير للرجل وبلبس ما فيه صور، للرجال والنساء. الحديث السادس: عَنِ ابْن عُمَرَ رضيَ اللَه عَنْهمَا: أنَّ رَسُولَ اللّه صلى الله عليه وسلم اصْطَنَعَ خَاتِماً مِن ذهب، فَكَانَ يَجْعَلُ فَصَّهُ في بَاطِنِ كَفِّهِ إذَا لَبِسَه، فَصَنَعَ النَاسُ مِثْلَ ذلِكَ. ثُم إَّنهُ جَلَس عَلَى المِنبرِ فَنَزَعَهُ فَقَالَ: «إني كُنْتُ ألبِس هَذَا الْخَاتِمَ وَأجْعَلُ فصه مِن داخِل» فرَمَى بِهِ ثُمَّ قَالَ: «والله لا ألْبَسُهُ أبَداً». فَنَبَذَ النَّاسُ خَواتِيمَهُمْ؛وفي لفظ: «جَعَلَهُ في يَدِهِ اليمنَى». ما يستفاد من الحديث: 1- فيه دليل على استحباب التختم، وأنه من زينة النبي صلى الله عليه وسلم. 2- أن يجعل فصه من قبل الراحة ليقبض عليه في المحال القذرة، إذا كان فيه اسم الله تعالى. 3- أن التختم بخاتم الذهب كان مباحاً للرجال أولا، ثم نسخ. 4- تحريم التختم بخاتم الذهب للرجال، ونزع النبي صلى الله عليه وسلم الخاتم الذهبي ورميه به وقسمه ألا يلبسه أبداً. 5- فضل الصحابة، وسرعة اقتدائهم بالنبي صلى الله عليه وسلم، إذ نزعوا خواتيمهم ساعة نزع خاتمه صلى الله عليه وسلم. 6- أن يكون التختم باليد اليمنى، لأن اليمين لكل طيب، والشمال معدة لمباشرة الأشياء غير المسَتطابة. 7- في هذا وأمثاله من الأحاديث المتقدمة وغيرها، الزجر عن لبس خواتم الذهب، وبيان أن عمل كثير من الناس اليوم بتختمهم بالذهب مناف للشرع. |